فصل: مطلب الأرض عائمة كالسماء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الربيع بن أنس: الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد صاحب الصغائر، والسابق المجتنب لهما.
فوافق هذا التأويل القرآن والحديث والأثر وقول السلف الصالح، فتدبر وانظر لنفسك أي الدار تختار.
واعلم أن المتلبس بإحدى هذه الخصال الثلاث، ما كان تلبسه إلا {بِإِذْنِ اللَّهِ} وأمره وإرادته وتوفيقه وقضائه وقدره {ذلِكَ} إيراث الكتب والاصطفاء لمحمد صلى اللّه عليه وسلم وأمته {هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} 32 الذي لا أكبر منه، إذ لم يعطه أحدا قبلهم، فكل الأمم لم تختص بما خصت به هذه الأمة كما أن رسولها خص بأشياء لم تختص بها الأنبياء قبله، راجع تفسير الآية 158 من سورة الأعراف المارة، وأي فضل أعظم من هذا، لأن السابقين منهم يدخلون الجنة فور خروجهم من قبورهم، والمقتصدين بعد الحساب، والظالمين بعد العذاب.
ثم بين جل بيانه بعض ذلك بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} إقامة دائمة {يَدْخُلُونَها} بمحض الفضل لا دخل للكسب فيها {يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} مرصعا فيها، ومن هنا تعلم أهل الدنيا ترصيع الذهب بالأحجار الكريمة {وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ} 23 ناعم زيادة في التنعم والترف، ولما رأى أهل الجنة ما غمرهم به اللّه من فضله شكروه {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} الذي كنا نكابده في الدنيا خوف عاقبة هذا اليوم في عدم قبول الأعمال والمؤاخذة على ما صدر منّا.
روى البغوي عن أبي عمر رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «ليس على أهل لا إله إلا اللّه وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا اللّه ينفضون التراب عن رءوسهم، يقولون الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن» {إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} 34 ومن فضله وكرمه لعباده أنه يغفر الذنب العظيم ويشكر العمل القليل {الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ} وهي الجنة لأنها دائمة لا يبرح عنها أهلها ولا يفارقونها عطاء {مِنْ فَضْلِهِ} ولطفه وعطفه، لأن العمل مهما كان كثيرا لا يؤهل صاحبه ما ذكره اللّه له هنا.
ومن تمام النعمة أنه {لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ} تعب ولا مشقة {وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ} 35 كلال وملالة ولا فتور وإعياء، ولم تكرر هذه الكلمة إلا في الآية 28 من سورة ق المارة وهذه الأحوال لا تحصل إلا بنتيجة العناء، وهذا من جملة ما من اللّه به على عباده المؤمنين.
هذا أيها الناس حال أهل الجنة جعلنا اللّه من أهلها، أما حال أهل النار فانظروا ماذا يحلّ بهم من المنتقم الجبار واسألوا اللّه العافية.

.مطلب نذر الموت ومعنى الغيب:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ} بعذابها {فَيَمُوتُوا} مرة ثانية ويستريحوا منه {وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها} فيها بل يبقى مشتدا عليهم {كَذلِكَ} مثل هذا الجزاء الفظيع الذي لا تقواه القوى {نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} 36 لآياتنا جحود لنعمنا، مكذب لرسلنا، ثم بين حالهم فيها أجارنا اللّه منها بقوله: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها} يتصايحون من شدّة الألم ودوامه بأصوات عالية، ولما لم ينفعهم ولما يرد عليهم، يعودون فيستغيثون قائلين {رَبَّنا أَخْرِجْنا} من هذا العذاب وأعدنا إلى الدنيا {نَعْمَلْ صالِحًا} كما تحب وترضى فنطيع الرسل، ونصدق الكتب، ونؤمن باليوم الآخر، ونعترف لك بالوحدانية الفردة، ونعمل يا ربنا {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} في الدنيا قبلا من التكذيب والجحود والإشراك، فيوبخهم اللّه تعالى بقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} في الدنيا {ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} لو أردتم ذلك لأنا أمهلناكم مدة كافية ما بين الخامسة عشرة من أعماركم إلى الستين، فأكثر وأقل، ولم يجدر بكم ذلك الإمهال.
وقيل المراد بهذا العمر هو سن البلوغ الثامنة عشرة سنة فقط، أو سن الكمال الأربعون سنة، أو سن الانتهاء الستون فما فوق، وقد ذكّرناكم على لسان رسلنا وخوفناكم سوء العاقبة فلم تتذكروا ورفضتم كتبي ورسلي وأنكرتم وحدانيتي {وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ} من قبل فأبيتم قبول إرشاده، ولم تعتبروا بما جرى على من قبلكم، ولم يؤثر فيكم ما ترون من علامات الموت، وأصررتم على ظلمكم {فَذُوقُوا} عذاب النار التي كنتم تكذبون بها لأنكم ظلمة {فَما لِلظَّالِمِينَ} اليوم لدينا {مِنْ نَصِيرٍ} 37 يخلصهم مما هم فيه.
هذه الآية جواب من اللّه عز وجل للظالمين وتوبيخ لهم على عدم رجوعهم إلى اللّه في الدنيا مع تمكنهم منه خلال المدة التي عاشوها فيها.
أخرج الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة والنسائي وغيره عن سهل بن سعد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أعذر اللّه تعالى إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ ستين سنة».
وعنه بإسناد الثعلبي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين».
والنذير في الآية يطلق على النبي فكل نبي نذير لأمته من بين يدي عذاب أليم ويطلق على القرآن لأن فيه من التحذير والأمر والنهي ما يكفي لمن كان له قلب، ويطلق على الشيب لأنه نذير الموت فقد جاء في الأثر: ما من شعرة تبيضّ إلا قالت لأختها استعدي للموت.
ويطلق على كلّ واعظ آمر بالمعروف ناه عن المنكر.
ونذر الموت غير الشيب كثيرة، منها المرض والحمى وموت الأقران والأقارب وبلوغ سن الهرم وقيل فيه:
رأيت الشيب من نذر المنايا ** لصاحبه وحسبك من نذير

وقائلة تخضّب يا حبيبي ** وسود شيب شعرك بالعبير

فقلت لها المشيب نذير عمري ** ولست مسودا وجه النذير

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} مع خفائه ودقته فعلم كل شيء في العالم داخل في هذا العلم، لأنه ظاهر بالنسبة لذلك، لأن السرّ والعلن عنده سواء، وهذا الغيب هو بالنسبة للملائكة والجن، وإلا فلا غيب عليه البتة راجع الآية 26 من سورة الجن المارة: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُور}.
والذي يعلم خفايا القلوب، لا يخفى عليه علم غيرها وذات الصدور مضمراتها وهي تأنيث ذي الموضوع لمعنى الصحبة، أي فمن جملة علمه تعالى يعلم أنهم بعد اعترافهم بهذا العذاب {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} من الإنكار والجحود والتكذيب- راجع تفسير الآية 29 من سورة الأنعام في ج 2 قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ} يخلف بعضكم بعضا {فِي الْأَرْضِ} كلما انقرض جيل خلفه غيره، فالأحرى أن تعتبروا بمن سلف من الأمم الخالية، لأن مصيركم سيكون مثلهم، فمن آمن فله ثواب إيمانه، وكذلك {فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} يعاقب بمقتضاه {وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إلا مقتا} بغضا وكرها شديدا في الدنيا، واحتقارا وذلا وحرمانا من كل خير {وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسارًا} 39 في الآخرة، وذلك هو الخسران المبين وكرر الجملة تأكيدا وإيذانا بأن مصير الكفر اقتضاءان قبيحان مرّ ان: المقت في الدنيا والخسارة في الآخرة، فلو لم يكن الكفر مستوجبا غير هذين لكفى به شرا، فكيف إذا كان يستوجب أشياء أخر؟ {قُلْ} يا سيّد الرسل لهم هذا لعلّهم يرجعون إليّ قبل أن يمتنع عليهم لا يمكنهم الرجوع، ثم يقول لهم جل قوله تبكينا وتقريعا مما يزيد في أسفهم {أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} من جميع الأوثان النامية والجامدة {أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} حتى يكونوا شركاء فيها، أروني أي جزء من أجزائها خلقوه حتى جعلتموهم شركائي في العبادة وصيّرتموهم آلهة وعبدتموهم: فإذا كانوا لم يخلقوا شيئا منها فأخبروني {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ} معي وهل خلقوا منها شيئا، وهل يعلمون ما فيها وما مصيرها؟ وإذا لم يكن لهم شيء من ذلك أيضا، فأعلموني {أَمْ آتَيْناهُمْ كِتابًا} ذكر فيه أن لهم شيئا من ذلك {فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ} حتى يظنّوا بأن لهم علاقة في خلق السموات والأرض أو شركة فيها {بَلْ} ليس لهم شيء فيها أصلا ولا علم لهم بما فيهما، وان ما اتخذوه من تلقاء أنفسهم جمادا عنادا، وما انتحلوه من عبادة الملائكة وغيرهم زورا لأنهم، لا يقدرون على شيء من ذلك، ولا على حفظ أنفسهم من التعدّي ولكن ما {إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا} من نفع وضرّ وخير وشر وقوة وضعف {إِلَّا غُرُورًا} 40 وخداعا في قولهم بعضهم لبعض إنها شفعاؤهم عند اللّه، وغير ذلك.

.مطلب الأرض عائمة كالسماء:

{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} فيمنعهما من الوقوع بإمساكه إياهما إمساكا قويا لا يقدر عليه الثقلان، ولا تنصوره العقول، ولا يكيف كيفيته أحد.
وهذه الآية الجليلة تدل على أن الأرض كالسماء غير مستقرة على شيء بل هي طائفة عائمة في الفضاء، وأنه تعالى كما أنه يمنع السماء المبنية على غير عمد أو على عمد غير مرئية كما يأتي في الآية 10 من سورة لقمان ج 2 والآية 2 من سورة الرعد في ج 3، من أن تسقط أو تنخفض أو ترتفع بسبب إمساكه إياها، فكذلك يمنع الأرض من أن تميد أو تتحرك أو تنخفض عن مستواها أو ترتفع عن مستقرها بسبب ذلك الإمساك المحكم أيضا {وَلَئِنْ زالَتا إِنْ} ما {أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} أي لا يمسكهما أحد سواه البتة، وتفيد أيضا بأن الأرض كبقية الأجرام السماوية لا عمد تقلها ولا دسار ينظمها كما ثبت أخيرا عند علماء الفلك، وإن زوال جرم ما من هذه الأجرام من مركزه يفضي إلى تهافتها كلّها وعدم رجوعها إلى مركزها لاستحالة تأثير قوى التجاذب فيها بعد اختلاف موازنتها وفك ارتباط بعضها عن بعض.
وسيأتي هذا اليوم لا محالة وهو الملمع إليه بقال تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ}، الآية 1 من سورة الانفطار {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، الآية 1 من سورة التكوير، {يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ} الآية 8 من سورة المعارج، {يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْرًا} الآيتان من سورة الطور، وهذه وما قبلها وبعدها من الآيات القاطعات المشعرة بخراب هذا الكون وانقراض أجزائه، وهذا من الأمور الغيبية التي لم يعلمها في عهد نزول القرآن أحد إلا مكوّنها، وكم من علوم مكنونة فيه لم يطلع عليها أحد {إِنَّهُ كانَ} ولم يزل {حَلِيمًا} لا يعجل العقوبة على عباده علهم يرجعوا إليه رحمة بهم {غَفُورًا} 41 لما سبق منهم إذا تابوا وأتابوا، وتشير هذه الآية العظيمة إلى أن كفر هؤلاء يكاد تهد السموات وتغور الأرض منه، لعظمته عند اللّه لو لا أن قدرته البالغة ممسكة لها قال تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا} الآية 82 من سورة مريم الآتية، أي أن ما هم عليه من الشرك والكفر يكاد يسبب ذلك لو لا عظمة اللّه الحائلة دونه.
هذا، ولما جاهر مشركو العرب بقولهم لعن اللّه اليهود والنصارى كيف أتتهم رسل اللّه فكذبوهم وحلفوا لو جاءهم رسول لاتبعوه، فأنزل اللّه {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ} نبي يرشدهم إلى السداد {لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} يعني اليهود أو النصارى أو الصابئة لانهم من أهل الكتاب أيضا ثم اختلفوا بعضهم مع بعض في التحليل والتحريم وقولهم هذا كناية عن شدة التمسك بما يدعوهم إليه ذلك النذير الذي تمنوه قال تعالى مكذبا لهم {فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ} وأي نذير كريم أمين خطير منهم معروف لديهم بالصدق، لأنهم خلقوا قبل مبعثه {ما زادَهُمْ} مجيئه إليهم وهديه لهم وجهده عليهم لإنقاذهم مما هم فيه من الشرك والكفر {إِلَّا نُفُورًا} 42 عنه وتباعدا عن رشده، وإيذاء له فوق ذلك، لا لأنه لم يكن نبيا وصادقا في دعواه، بل كان نفورهم منه {اسْتِكْبارًا فِي الْأَرْضِ} طلبا للكبرياء فيها فتعاظموا عن قبول الإيمان به عنادا لمرسله وحسدا له على ما خصّه اللّه به من بينهم، ولامر آخر وهو {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} أي عملهم القبيح الذي هو اجتماعهم على الكفر والإشراك باللّه واتفاقهم على تكذيب رسوله وخداعهم له وتحين المكر فيه {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} فيونعهم فيه سوء عاقبته.
وجاء في المثل من حفر لأخيه جبّا وقع فيه مكبا، فيا ترى هل أرادوا بمكرهم هذا أن جحودهم لما جاءهم به من عند ربه خيرا لأنفسهم؟ كلّا بل شر وأي شر لقال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} هؤلاء المخالفون لرسولنا محمدا {إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} وهي أن كل أمة كذبت رسولها حاق بها عذاب الاستئصال، ولا محيص لها من الخلاص عنه {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ} التي أمضاها على خلقه بقضائه وقدره {تَبْدِيلًا} عن مجراها الطبيعي أبدا ولا تغييرا، وهؤلاء قومك يا سيد الرسل إذا أصرّوا على كفرهم نزل بهم العذاب لا محالة {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} 43 عن وقتها المقدر لها في الإهلاك وغيره، بل تقع حتما فيه وقد نال بعض هؤلاء الكفرة يوم بدر ما نالهم من العذاب قتلا وأسرا ونشريدا، وهذا عذابهم الأدنى وسينالهم العذاب الأكبر في الآخرة راجع الآية 21 من سورة السجدة في ج 2 قال تعالى: {أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فيعتبروا بأخبارهم وآثارهم وكيفية إعلاكهم وأسباب تدميرهم؟ وهذه الآية كالاستشهاد والاستدلال على جريان سنة اللّه المبينة في الآية قبلها، والاستفهام إنكاري، أي لم يسيروا وينظروا أو يسمعوا بهم، {وَكانُوا} أولئك المهلكون من الأمم قبلهم {أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وأعظم بأسا وأجساما، وأكثر أموالا وأولادا، فلا يغتر قومك يا حبيبي بقوتهم وأموالهم وأولادهم، فهم دونهم بكثير، راجع الآية 21 من سورة غافر، والآية 35 من سورة سبأ في ج 2، والآية 70 من سورة التوبة في ج 3، ومهما كانت قوتهم فليست عند اللّه بشيء {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شيء} مهما كان عظيما مما كان {فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} لأنهما وما فيهما من خلق اللّه، ومن خلق شيئا لا يعجزه إبادته، ولا يصعب عليه كيف يسوقه إلى قبضته {إِنَّهُ كانَ} ولا يزال {عَلِيمًا} بذلك كله لا يحتاج الدلالة والاعانة من أحد {قَدِيرًا} 44 على خلقه وجميع مكوناته، لا يفلت أحد من قبضته، كيف وقد قال جل قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الآية 67 من سورة الزمر في ج 2، ومن كان كذلك فلا يعجزه شيء.
قال تعالى: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا} من الآثام والمعاصي والمخالفات {ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها} أي الأرض التي يوقعون فيها المنهيات كلها من الإنس والجن وغيرهما {مِنْ دَابَّةٍ} تدب عليها بما يشمل الإنسان والحيوان والحوت والطير وغيرها {وَلكِنْ} يحلم عليهم فيمهلهم علهم يتوبوا فيغفر لهم ولذلك {يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} عنده لا يطلع عليه غيره {فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ} المحتوم ولم يرجعوا إليه وبقوا مصرين على ما هم عليه، أوقع بهم عذابه جزاء أعمالهم الخبيثة، وإذ ذاك {فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ} في ذلك اليوم كما هو الآن وقبل وبعد {بَصِيرًا} 45 بمن يستحق العقوبة ممن يستحق الكرامة، لم تخف عليه حقيقة أحد منهم.
هذا، ولا يوجد سورة في القرآن مختومة بمثل هذه الكلمة غير هذه واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة فاطر:
مكية.
{ورباع} كاف وكذا {ما يشاء} .
{قدير} تام.
{ممسك لها} صالح وكذا {من بعده} .
{الحكيم} تام.
{نعمة الله عليكم } كاف.
{والأرض} حسن.
{لا إله إلا هو} جائز.
{تؤفكون} تام.
{من قبلك} كاف.
{الأمور} تام وكذا {الغرور} .
{عدوا} حسن.
{أصحاب السعير} تام إن جعل {الذين كفروا} مبتدأ وخبره {عذاب شديد} وليس بوقف إن جعل ذلك بدلا مما قبله بل الوقف على {كفروا} وهو جائز.
{شديد} تام وكذا {كبير}.
{فرآه حسنا} جائز.
ويهدي من يشاء كاف إن قدر جواب الاستفهام كمن هداه الله بقرينة {ويهدي} .
وإن قدر ذهبت نفسك بقرينة {فلا تذهب نفسك } فجائز.
{حسرات} كاف.
{بما يصنعون} تام.
{بعد موتها} كاف.
{النشور} تام وكذا {العزة جميعا} .
{الطيب} تام عند بعضهم وقيل الصالح هو التام.
{يرفعه} تام اتفاقا.
{شديد} حسن.
{يبور} تام.
{أزواجا} حسن وكذا {إلا بعلمه}.
{في كتاب} كاف.
{يسير} حسن.
{البحران} صالح.
{أجاج} كاف.
{تلبسونها} صالح.
{تشكرون} كاف وكذا {في الليل}.
{والقمر} حسن.
{لأجل مسمى} كاف وكذا {له الملك}.
{من قطمير} صالح.
{دعاءكم} صالح.
{بشرككم} حسن.
{مثل خبير} تام.
{إلى الله} كاف.
{الحميد} حسن وكذا {جديد} و{بعزيز} .
{وزر أخرى} كاف.
{ذا قربى} تام.
{وأقاموا الصلاة} حسن.
{لنفسه} كاف.
{المصير} تامز
{والبصير} مفهوم وكذا {ولا النور}.
{ولا الحرور} تام وكذا {ولا الأموات} .
{من يشاء} صالح.
{من في القبور} كاف وكذا {إلا نذير}.
{بشيرا ونذيرا} تام وكذا {فيها نذير}
{المنير} صالح وكذا {الذين كفروا}.
{نكير} تام.
{ألوانها} صالح.
{سود} كاف.
{ألوانه كذلك} تام. وكذا {العلماء} و{غفور} و{لن تبور} بجعل لام {ليوفيهم} لام القسم كما مر في نظيره.
{من فضله} كاف.
{شكور} تام.
{بين يديه} كاف وكذا {بصير} و{من عبادنا}.
{فمنهم ظالم لنفسه } جائز وكذا {ومنهم مقتصد} و{بإذن الله}.
{الفضل الكبير} حسن.
{ولؤلؤا} كاف.
{فيها حرير} تام.
{الحزن} صالح.
{من فضله} جائز.
{فيها لغوب} تام وكذا {من عذابها} و{كل كفور}.
{غير الذي كنا نعمل} حسن وفي الأصل تام وفيه نظر.
{النذير} كاف.
{فذوقوا} تام وكذا {من نصير}.
{والأرض} كاف.
{الصدور} تام.
{في الأرض} صالح.
{كفره} كاف وكذا {إلا مقتا} .
{إلا خسارا} قيل كاف والأجود أنه تام لأنه آخر قصة.
{بينة منه} كاف.
{إلا غرورا} تام.
{أن تزولا} كاف وكذا {من بعده} .
{غفورا} تام.
{من إحدى الأمم} كاف وكذا {إلا نفورا} .
{ومكر السيئ} تام.
{إلا بأهله} كاف وكذا {الأولين} و{تبديلا} و{تحويلا} و{قوة} و{في الأرض} .
{قديرا} حسن.
{من دابه} كاف.
ولا أحب أن يبتدأ بقوله {ولكن} في شيء من القرآن.
{إلى أجل مسمى} كاف.
آخر السورة تام. اهـ.